عبدالنبي النديم يكتب: اطردوا الطاقة السلبية

عبدالنبي النديم
عبدالنبي النديم

ظواهر إجتماعية طفت على سطح نسيج المجتمع، تنذر بالخطر وتحتاج إلى تحرك سريع من كافة مؤسسات الدولة البحثية والتنفيذية لمواجهة الظاهرة القاتلة، التي تؤرق المواطنين والبحث عن أسبابها، والعمل على وضع الحلول بأقصى سرعة، بعد هروب السواد الأعظم من الشباب إلى العالم الإفتراضي، هروبا من الواقع، حتى أصبحت الظاهرة مرضية تستوجب العلاج بشكل عاجل.
نعم نحتاج إلى وضع الحلول بأقصى سرعة لنواكب إيقاع الحياة الذى نعيشه فى عصر العالم الإفتراضي، وإنتشار مواقع التواصل الاجتماعي بين مختلف طبقات المجتمع، التى أصبحت مسيطرة على كافة مناحي الحياة، فهي تشاركنا طاولة الطعام، وتسبقنا إلى غرف النوم، وتسيطر على مضاجعنا، وتسرق النوم من أعيننا، إنها أصبحت ملاصقة لنا حتى فى أشد لحظات الإنسان خصوصية، إنها بحق أصبحت عالم اللاوعي، نعيشه مسيرين ومسحوبين من رقابنا إلى حيث يريد هذا العالم الوهمي أن نكون فيه.

لقد أصبحنا مجبرين على السير في إتجاه واحد، دون النظر إلى العواقب التى تنتظرنا في هذا المسار الإجباري، دون حتي مجرد التفكير فى القرار الذي ننفذه ونحن في حالة شبه غيبوبة ، بعد أن خطفتنا مغريات العالم الإفتراضي من أحضان من نحبهم ونعيش معهم بأجسادنا وكل فرد منا يعيش في عالمه الإفتراضي الذى نسجه من وحي خاليه، حيث سيطر على كامل عقله، فقد شغلتنا مواقع التواصل الإجتماعي عن التفكير حتى فى أمور حياتنا، وكأن «وهم» مصباح علاء الدين أصبح بين أيدينا، نأمر.. وفي لحظات تكون الإجابة أمام أعيننا.
ورغم أن السواد الأعظم من البشر فى عصر التكنولوجيا المجنونة فى سرعتها وتطورها، أصبح منقادا لها وهو مغمض العنين، فليس العيب في هذا العالم الوهمي الذي رضي بشروطه وبصم بكل أصابعه على الدخول فى شوراعه وأزقته، مستبدلا بها حياته بين والديه وإخوته وأبنائه وزوجته أو زوجها، رضى أن يعيش فى عالم - صور له خياله - أن الكمال ينتظره بداخله، ولكن العيب فينا ، فالكل يسعى أن يكون العالم الموازي هذا راضخا لطلباته هو لا أن يملي هو شروطه عليه.
المثل بسيط للغاية نعيشه الآن، فالدولة ممثلة فى وزارة التربية والتعليم تسعى بكل ما أوتيت من قوة تطبيق نظام التعليم الألكترونى - رغم وجود بعض التحفظات لدي في تطبيق المنظومة - لم يلقي القبول لدى أولياء الأمور قبل الطلبة، ونجد في نفس اللحظة نجد أولياء الأمور أنفسهم يقومون بثورة على مواقع التواصل ، لمحاربة ووقف تنفيذ منظومة التعليم الألكتروني الجديدة. 
والسبب بكل بساطة أن رواد العالم الإفتراضي سحبتهم نداهة السوشيال ميديا، والتى وجدوا فيها كل ما يرغبون فيه، فالكل أمامهم متاح، وتحقيق مطالبهم فوري، ولكن لم يتعودوا على أن يكون العالم الإفتراضي مفروض عليهم، فكانت الصدام والرفض، قد يكون الرفض لأنهم لا يريدون لأبنائهم أن يعيشوا الوهم، فى هذا العالم الإفتراضي، محاولين بشتى الطرق أن يسحبوهم خارج هذا العالم، وأن يعودوا بهم إلى الماضي، وأن يصبح هذا العالم هو كل حياتهم، ولكن على الهامش، من باب العلم بالشيئ ومواكبة التطور التكنولوجي فقط. 
ومن هنا كانت حالة التوهان واللاوعى للكثير من الشباب، وأصبح حبيسا بين العالمين، عالم يعيشه على أرض الواقع، وعالم يجذبه إلى الخيال بعيدا عن أرض الواقع، فكان الشتات في عقولهم، والتشويش على التفكير سيد الموقف، يتبعها بالتأكيد عدم القدرة على إتخاذ القرار فتكون ردة الفعل عنيفة، وتتخلى عن الحوار وقبول الآخر، فتكون العواقب وخيمة فى مختلف مجالات الحياة، والتى قد تصل إلى حد ارتكاب الجرائم لا شعوريا، الأمر الذى يؤثر على المجتمع فى النهاية، ويصدر طاقة سلبية لدى المواطنين، وتطرد الطاقة الإيجابية.
فالأمور مع العالم الإفتراضي أصبحت محملة بأجندات خارجية، تستهدف بالأخص فئة الشباب، وأنا لا أتهمه فى ما يشهده المجتمع من ظواهر اجتماعية غير مألوفة، ولكن أتهم عدم المقدرة على التعامل مع هذا العالم الإفتراضي، لأخذ ما يتوافق مع قواعد وأصول وعقيدة مجتمعنا، ونبذ ما يخالفها من مواد على كافة المنصات والتى قد تكون ضمن مخططات لأجندات خارجية، لزعزعة الإستقرار الإجتماعي ونشر ما يخالف الطبيعة والأعراف الشرقية، مثل الدعوات المغرضة التى يصدرها الشرق لنشر الشذوذ الجنسي والمثلية بين شبابنا، ومحاولة جذب الشباب إلى المغريات المختلفة، للعزوف عن الإرتباط بالوطن، ومحاولة شق الصف، وهو ما نشاهده فى بعض الأخلاقيات التى انتشرت عند بعض الشباب من عدم إحترام الكبير، ومحاولة العزوف خارج السرب بحاية منفصلة عن أسرته، والمجادلة من باب الحرية الشخصية، وأن قراره منفردا وخاصا به وحده حتى ولو كان مرتبط بالآخرين، وأصبح الشباب لا يهمهم شيئ سوى نفسه ومن بعدى الطوفان، فأصبح لا يطيق الإنتظار في طابور تذاكر المترو أو القطار، طابور العيش، لا يتحمل الحوار مع الآخر، فتكون ردة الفعل غير محمودة العواقب منهم.
إننا فى أشد الحاجة الآن للنظر وإعادة الدراسة فى كافة المستجدات التى طرأت على المجتمع، خاصة التى تخص الشباب، للحماية من الظواهر الجدية التى غزت مجتمعنا المصري، حماية لهم، وحفاظا على الوطن، فنحن لا نعترض على التطور الذى لحق كافة المجالات ولكن لنا أن ننتقى منها ما يناسبنا، ونتعامل بحذر مع ما لا يناسب أعرافنا وتقاليدنا، حفظ الله مصر وأهلها وشبابها من كل سوء وكل من أراد بها شرا.